اهمية زيارة غوتيرش
عمر حلمي الغول
قبل يومين زار أنتونيو غوتيرش، الأمين العام للامم المتحدة فلسطين المحتلة وإسرائيل. وإلتقي بالمستويات السياسية والأمنية والإقتصادية والمعارضة الإسرائيلية، وشخصيات فلسطينية محسوبة على تلاوين مختلفة، واسر الشهداء الفلسطينيين. وزار جناحي الوطن الفلسطيني. مما اعطى الزيارة الأهمية لإكثر من إعتبار، منها: اولا انها جاءت عشية إنعقاد الدورة ال72 للامم المتحدة؛ ثانيا كونها تميزت بوضوح وجدية المواقف السياسية المعلنة، وإنسجامها مع قرارات الشرعية الدولية ومرجعيات السلام؛ ثالثا لإزالتها الغيوم الملبدة في المشهد الأقليمي؛ رابعا فتحها افق نسبي للسلام؛ خامسا لعدم مجاملة القيادة الإسرائيلية في محددات التسوية السياسية، ووضع الأمين العام النقاط على الحروف لما يجب ان يكون عليه واقع الحال في المنطقة؛ سادسا تخلي غوتيرش عن سياسته الملتبسة السابقة، التي لازمته من بداية توليه مهامه كأمين عام للامم المتحدة.
نعم السيد انتونيو غوتيرش تميز شخصيا عن سابق عهده في الموقع الأممي الأول، وبدا كأنه شخص آخر او شخص جديد، حيث صاغ مواقفه بشجاعة وفطنة ودقة، ومن موقع العارف بحدود ما له، وما عليه. ولكنه لم يداهن، ولم يجامل وبعبارات شديدة الوضوح أعلن امام القيادة الإسرائيلية ممثلة بمن إلتقاهم، رئيس الوزراء، نتنياهو؛ ووزير حربه، ليبرمان؛ ورئيس الدولة، ريفلين؛ والمعارضة الإسرائيلية بعناوينها الرئيسية وغيرهم: تمسكه بخيار حل الدولتين على حدود الرابع من حزيران عام 1967؛ وإعتبار الإستيطان الإستعماري العقبة الرئيسية امام السلام؛ رده المباشر وغير المتعلثم بأن أمن إسرائيل يتحقق ببناء ركائز السلام؛ وتأكيده ان السلام الإقليمي يكمن في بناء الدولة الفلسطينية المستقلة والمتواصلة جغرافيا وإداريا وسياسيا؛ ودعمه المباشر والقوي للشرعية الوطنية الفلسطينية ممثلة بمنظمة التحرير الفلسطينية؛ ورفضه منطق التسويف والمماطلة الإسرائيلي؛ وإدانته الحصار المفروض على قطاع غزة، ومطالبته بفتح كل المعابر المحيطة به؛ وحسمه الموقف من الإنقلاب بدعوته الصريحة للعودة لحاضنة الشرعية الوطنية.
وبإعلان الأمين العام عن حلمه بقيام الدولة الفلسطينية على حدود الرابع من حزيران عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، وتواصل جناحيها الجنوبي والشمالي، يكون غوتيرش تفوق على نفسه. وأزال الضبابية عن مواقفه الملتبسة، التي شابت تصريحاته مع بداية ولايته. وبتأكيده على خيار حل الدولتين، الذي لم يأت من فراغ، وبالضرورة عبر التوافق الضمني مع إدارة ترامب على الحل الممكن والمقبول، والمعتمد دوليا وعربيا وفلسطينيا وحتى إسرائيليا عند العديد من قوى المعارضة، بغض النظر عن كيفية فهمهم لحدود الدولتين، ومغالاتهم بالموضوع الأمني، فإنه يكون أزال التشوش والإرباك عن المشهد السياسي الفلسطيني، وأغلق باب التساؤلات عن مشروع الحل الإقليمي، الذي إحتل حيزا من القراءات السوداوية. لاسيما وان الأشقاء العرب، أكدوا لممثلي الإدارة الأميركية مؤخرا، ولممثلي الأمم المتحدة على اولوية إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وذات السيادة، ورفضهم التغيير في اولويات مبادرة السلام العربية، وإعتبار الجميع، ان محاربة الإرهاب في المنطقة يبدأ بحل المسألة الفلسطينية كأولوية للخروج من نفق المراوحة طيلة العقود الماضية.
دون مبالغة او تطير، يمكن الجزم ان زيارة الأمين العام للامم المتحدة كانت إيجابية وهامة. وفتحت افقا للسلام والأمل بالمعايير النسبية، مع الإدراك ان الأمم المتحدة ليست هي الطرف المقرر. لكن غوتيرش لا ينطق عن الهواء. ولا يعلن ما اعلن، لإنه الأمين العام فقط. إنما لإنه جزء من القوى المؤثرة والمتشابكة مع الأقطاب الدولية والإقليمية الأخرى ذات الصلة بالتسوية السياسية للصراع الفلسطيني الإسرائيلي. فإما إقليم يعيش بسلام، او يبقى اسيرا لدوامة العنف وإرهاب الدولة الإسرائيلية المنظم. لا خيارات أخرى.


