بقلم د يسر الغريسي حجازي
العقلانية والقيم الدلالية
“بالمنطق الذي نثبته, ومع الحدس الذي نجده”
هنري بوانكاريه
السؤال الأول الذي يتبادر إلى الذهن هو “لماذا نحن نخترع المشاكل؟ لماذا يتمتع الكذابون بمكانة أكبر في مجتمعاتهم, و أكثر من الناس الصادقين؟ لماذا اخترنا الغير واقعي كمثالي للبقاء على قيد الحياة؟ الكثير من الأسئلة التي تفصلنا عن المنطق والعقل. هل لدينا حقا مثالية؟ الي من ننتمي؟ هل ننتمي إلى إرادتنا أو الي المثالية الجماعية؟ والواقع الوحيد الذي يمكن تبريره يتمحور حول العلاقة بين العالم الحقيقي الذي نعيش فيه، والصور الموجودة في أذهاننا فضلا عن المعاملة بالمثل بواقعنا الحقيقي. وبالنسبة إلى ديكارت، إن الواقع الوحيد هو في طريقتنا في التفكير حول الأمور، وفي توافقها مع التنظيم الاجتماعي الذي ننتمي إليه.
ترتبط الروحانية بالألوهية، وحياة الإنسان وأنشطته. نحن نتعلم من ذاتنا، ويتم فصل جسدنا من روحنا. ونحن نفكر ونتصرف وفقا لأحكامنا التي يمكن تعريفها، بأنها سبل التوصل للوحدة الديناميكية للواقع. و نعتبر اجسام منفصلة، بمجرد ما يظهر التجانس بين العقل والحدس الباطني الذين يؤكدون ترابطنا مع جميع الأشياءالمتواجدة في الكون، كجزء من الفضاء الأبدي ولانهائي (الله). يقول أينشتاين، أن البشر يكافأ أو يعاقب جراء أفعاله، وببساطة انه يحصد ما يقوم بزرعه. اما الرجال الطيبون، هم الذين يفكرون منطقيا ويعملون وفقا لسعادة الجميع وازدهار شعوبهم.
هناك رجال يدمرون الشعوب, والكون, ويجلبون البؤس والكوارث لاوطانهم. لذلك، ان “المعادلة الإلهية” حسب آينشتاين موجودة لمعاقبة النفوس المرضى، والأرواح المتعجرفة. ان الانسان الصالح هو نفس الانسان الذي يجلب السعادة، والثروة للآخرين. وترتبط العقلانية ارتباطا مباشرا بالضمير، والمسؤولية، مما يشير الي صفاء الكون ومعادلاته السماوية. ولا بد من ان يترسخ الصفاء في سلام اجتماعي ثلاثي الأبعاد، كجزء من العدالة والتقدم. وهو ما يرمي الي الطفرة الاجتماعية، والحقوق المدنية التي تقودها الدول. ويعتمد البقاء على قيد الحياة, على القضاء على جميع أشكال العنف، وصراعات, والكفاح المسلح, والحروب.
هذا هو الجهاد الحقيقي, من أجل السلام العالمي ورفاه الشعوب. إن السلام يتضمن السلام الإنساني الداخلي, الذي يشمل رضا الجميع، وسبب الوجود. وهذا يشمل الطموحات, وخطط لتحقيق النمو الشخصي, واحترام الذات. ولكن, لا تتحقق الأهداف الشخصية في بيئة يسيطر عليها القوة القمعية والمسيئة. علاوة على ذلك، يمنح السلام الامتداد المستمر للبشر وبيئته. إنه بمثابة اساس لبقاء الإنسانية.
يولد البشر مع الموهبة الفطرية في داخلهم، و يجب عليهم اكتشافها الحصول علي سعادتهم. كما ان المواهب البشرية تحتوي على الإمكانات للتطوير والازدهار مما يساهم في الانسجام الداخلي للانسان. وإذا لم نصل إلى سلامنا الداخلي، فلن نحقق تقدما لا علي المستويات الفردية ولا الجماعية, و لا يمكننا الوصول الي السلم العالمي, لأن أساس السلام يقوم على تحقيق الذات, والثقة بالنفس. ووفقا لجميع الأديان، يعرف السلام بعصر الثراء, والثروة, والعدالة, والأمن. هذه هي الطريقة الوحيدة لتعلم التسامح ,والرحمة, والولاء. فبدون السلام، لن تكون حياة البشر مباركة ، بل تقع في الخراب.
ان جميع الناس مع انتماءاتهم العرقية والشخصية المختلفة, مدعوة إلى اتباع مدونة السلوك المقدسة، والمنطوقة بالقوانين الإلهية، والتي تنص علي ان النعيم والشمس للجميع (ريفو ديس ديوكس موندس، الفترة 3 ، المجلد 111، 1892). ويبدأ تلك المفهوم مع أطفالنا في المدارس في المرحلة الابتدائية, حيث يتعلمون فهم احتياجاتهم وواجباتهم نحو أسرهم, ومجتمعهم, وأمتهم. ان تعليم المسؤولية الاجتماعية بقيمها الخيرية، هو بمثابة تاصيل تربية السلام , وتعزيز دور جيد للمواطن في ادائه الاجتماعي, والساسي. كما ان التعليم خطوة, في فهم المسؤولية البيئية ومهارات التعايش. ويتبين ايضا أن حقوق الإنسان ترتبط ارتباطا مباشرا بالحياة, والحرية, وحقوق الحريات. وعلينا أن نعرف أن التاريخ, يعلمنا أن الحروب والمذابح هما نتيجة الصراعات السياسية والمظالم, وان الشعوب, والفقراء بالذات هما من يدفعا الثمن.
يجب على الشعوب أيضا, أن يسألوا أنفسهم لماذا يجب عليهم أن يعيشوا الحروب بمجرد ان حكوماتهم قررت ذلك؟ بينما ان انتخابهم علي راس حكوماتهم, ياتي لحماية شعوبهم ومنح حياة كريمة لهم. ببساطة، يجب على الشعوب أن يفهموا ان لديهم كامل الحقوق ليكونوا جزءا من اوطانهم، وأن عليهم واجب المشاركة في صنع القرار, وتامين مستقبل بلادهم. علاوة على ذلك، ان الوجود الإنساني وضمانة السلام يحددان العقل الاستدلالي والمنطقي، والوعي البشري.
وفقا لمبادئ الفلسفة وعلم المنطق، ان المثالية المطلقة تحدد الأشكال الحيوية للإنسان, ومدي ادراكه للمنطق. وهكذا، يرمز التمييز في الأفكار البشرية إلى نوعية الحياة في العقل, وتوحيدها. كما ان العقل البشري يعتبر المخلوق الوحيد الذي يخلق الواقع ان كان صحيح او خاطئ، والافكار، و الابداع, والحقائق الملموسة.
لذلك، إن تجربة الإنسان ترتبط بالخيار الأبدي للتقدم، والارادة لتعزيز النمو البشري والمادي, من أجل التماسك العالمي. وعلى النقيض من ذلك، سوف ينشر انعكاس أفكار البشر, أسس مشوهة للعالمية والحريات المتناهية، و يمكننا مشاهدتها اليوم في الصراعات المسلحة, والجماعات الإرهابية المنظمة.
اقترح أفلاطون، (427-347)، الفيلسوف اليوناني القديم أن الجمال والسعادة يشيران إلى الوحدة الأصيلة لجميع جوانب الوجودو والهوية. بالنسبة له، ان “الاتصال المنطقي” يعترف بآلية حقيقة شاملة للمنطق الماتيماتيكي, والقيم الدلالية لها. واكد أفلاطون أن في المنطق, يعتبر السبب الكاذب وسيلة، وقيمة الحقيقة في آلية الحقيقة


