أتذكر دائما تلك الأيام، والماضي الجميل، والأحلام التي أحلم بها وأنا صغير، كانت أيام جميلة وهادئة، الأهل
والأصدقاء والأحباب والجيران كان كلهم حولك، يعطوك الأمن والأمان، تشعر وكأنك ملكت الدينا، ذلك الماضي الذي
يجسد الذكريات والمواقف التي مررنا بها وكأنها شريط كايست يوجد به أيام جميلة فيها الفرح والسعادة، لربما تلك
الأيام رغم ملؤها بالسعادة الا انها تحمل في طياتها الحزن والألم، وهنا أسرد لكم في هذا المقال بعض من الوقفات
عن الماضي والحاضر الذي نعيشه.
“ويبقى الماضي رواية جميلة لن تعود”
تغيرنا وتبدلت أحوالنا ما عدنا كالسابق، افتقدنا البساطة في الحياة، غلب علينا التكلف على الرغم من سعة العيش، وكثرة المال، والتكنولوجيا الحديثة التي نحيا بها، إلا إن النفوس ضاقت والمشاكل تزداد، والهموم كثيرة، في السابق كان لدينا منزل صغير في الحجم لكن كان كبير باجتماع العائلة، كانت أسرة كاملة يعيش فيها الجد والجدة، والأب والأم والأولاد وتنتهي بالأحفاد الصغار، كانت حياة بسيطة بكل ما تحملها الكلمة من معنى، سعادة كبيرة، البيوت واسعة بالمحبة والآخاء والألفة وسعادتهم كبيرة ونحن الآن بيوتنا واسعة وصدورنا ضيقة من الحزن، كنا لا نعرف المشاكل والأحزان والتعاسة.
عندما كنت صغيراً كنت أجلس مع من أكبر مني، كنت أستمع إلى حديثهم عن الماضي وعن تاريخهم الحافل
بالإنجازات لكي يبنوا مستقبل جميل ويعمروا بيوتهم، كانت تلك الجلسات مليئة بالأفراح والأمل بأن الغد أجمل
بكثير، كنت أنتظر تلك الجلسات كل يوم بفراغ الصبر لكي أستمع إلى احاديثهم الجميلة عن الماضي، كأن الماضي
رواية من أحد الروايات التي أحب أن استمع لها قبل النوم.
اختلاف الماضي والحاضر
في الماضي كل شيء كان بسيط كالأعياد، الأفراح، المناسبات السعيدة والجميلة، ومن بين وقفات الماضي، الزواج
كانت ميسرة وبسيطة لا تتعدى نطاق الأهل والأقارب وتقام في منزل الزوج أو الزوجة، لذلك نسبة العنوسة والطلاق
قليلة، البيوت عامرة بالمحبة والطاعة بين الزوجين، أما الحاضر فقد اختلف الموازين والمقاييس في عادات الزواج،
وفرق شاسع ماديا ومعنوياً، لدرجة أصبح الزواج عائق كبيراً أما كثيرا من المقبلين على الزواج.
حتى رمضان، ذاك الضيف الغالي بكل ما يحمله من أجواء روحانية، يمرنا مرور الكرام، يستقبلونه بلهفة كبيرة
جداً، كان استعدادهم له استعداداً روحانياً وليس بتجهيز وتوفير وشراء المواد الغذائية، كانت هناك عادات جميلة في
شهر رمضان الفضيل، الأهل والأصدقاء والجيران يشاركون بعضهم في تزيين الحارة والشارع بفوانيس وزينة
رمضان، ويشاركون أيضا في إعداد الفطور وتوزيعها على بعضهم وعلى الفقراء في الحي، يتسابقون في إرسال
أطباق الطعام والحلوى، ولكن…. هذا العادة اختفت مع مرور الوقت، أصبح الناس في سبات عظيم تغيرت أحوالهم
وأوضاعهم المادية والاقتصادية، تغير كل شيء حتى أصبح شهر الخير كشهر من شهور السنة . كان العيد في
الماضي فرحة للكبير قبل الصغير، كان فرحة طيبة لاجتماع الأهل والأقارب، الكل كان ينتظره ويحسب حسابه،
ولكننا نلاحظ اليوم أنه أصبح يوما عاديا بالنسبة لنا، بل يكاد البعض أن يتثاقله، أصبح أسم العيد مجرد اسم فقط لا
يوجد فرحة ولا ابتسامة تملأ وجهنا، لا أعلم لماذا تغيرنا ولماذا تغيرت تلك الأيام الجميلة، ولكن لعل الرحمة والراحة
والنعمة التي نعيشها في وقتنا الحالي الله سبحانه أن يديمه الله علينا وأن نرجع كما كنا من قبل، رغم أن الابتسامة
ذهبت، والنفوس ضاقت، والقلوب تغيرت، وانشغلنا بأعمالنا وأجهزتنا التي تربطنا وتحدد علاقتنا الاجتماعية وتتحكم
بنا، ولكن يبقى الأمل بأن نعود إلى الماضي بكل لحظة كنا نعيشها مع الأحباب والأصدقاء والأقارب.

