حكاية قباطية وابو عمار
بقلم سمير سليمان ابو زيد
في التاسع من حزيران عام 1967 أي في اليوم الرابع للاحتلال تم اعتقالي من قبل قوات حرس الحدود الاسرائيلية ( مشمار قبول)مع اكثر من عشرين شخصا حيث تم جمعنا ووضعنا في المعسكر الواقع غربي قباطية والذي كان للجيش العربي الاردني وهناك بقينا مقيدين حتى ساعة متاخرة من الليل حيث تم استدعاءنا واحدا تلو الاخر والتحقيق معنا وكانت معظم الاسئلة تنصب حول ما اذا كنا نعرف شخص اسمه ابو عمر وفي الحقيقة لم يكن احد فينا يعرف من هو هذا الشخص المعني بعد ايام عرفنا ان المقصود هو ابو عمار ياسر عرفات . وبعد ان اخذنا نصيبنا من الضرب والركل والشتائم اذكر تماما حادثتين الاولى مع شخص كبير في السن سمعنا صوته يصرخ ويقول يا لصوص يا حرامية ويبدو ان ضابطا مسؤولا سمعه فجاء يساله لماذا تتهمنا باننا لصوص فقال لقد سرقتم ساعتي التي ارسلها لي ابني من الكويت واعطيتموني بدلها ساعة انتيكا وقال ان ساعتي من طراز جوفيال وبعد حوالي نصف ساعة اعادوا له ساعته اما الحادثة الثانية التي اذكرها فهي انهم اعطونا كل واحد ورقة صالحة حتى ساعات انتهاء منع التجول صباح اليوم التالي واطلقوا صراحنا بع بزوغ فجر ذلك اليوم حيث ما زال منع التجول قائما حتى لا تعترضنا قوة اخرى هذا يعني ان صلاحية هذه الورقة تنتهي بعد ساعتين تقريبا .
معظمنا اتلف تلك الورقة في اليوم التالي الا شخص واحد احتفظ بها في جيبه بعد مضي سنه وشاءت الظروف ان يعتقل هذا الشخص بعد سنه في احدى حملات الاعتقال التي كانت لا تنقطع وعندما جاء الجندي الاسرائيلي ليضربه صاح به قائلا اياك ان تضربني واحذر استغرب الجندي وقال له لماذا فرد عليه بكل عنجهية انا معي ورقة من الحاكم العسكري ممنوع ان يضربني او يعتقلني احد فاخذ الجندي الورقة واعطاها للضابط والذي عرف انها ورقة انتهى تاريخا يوم كتابتها منذ اكثر من عام وكان هذا الضابط من الذكاء بأن استعمل هذه الورقة سلاح للتشكيك والذي اعتمدت عليه اسرائيل كثيرا ضد ابناء شعبنا فقام الضابط وعلى مراى ومسمع من كل المحتجزين وربت على ظهره مبتسما له ومطلقا سراحه حتى يظن الاخرون انه جاسوس او عميل .
كان لقائي الاول مع المرحوم ياسر عرفات مع بدايات الاحتلال عندما جاء الى منزلنا مع المرحوم الشهيد نصري سعدالله والذي كان ملازما للرئيس اينما ذهب وحيثما حل حتى تم اعتقاله وحكم عليه بالسجن المؤبد ليخرج بالتبادل ويعين موظفا في مؤسسة اسر الشهداء في عمان حتى توفي وكان كل منهما يضع مسدسا على جنبه وكان ابو عمار يلبس كوفيته المعهوده حيث استمعت الى نقاش مستفيض عن قيام ثورة مسلحة بين والدي وبين الشهيد عرفات وما ازلت اذكر كلمةالقائد ان السلاح سيعم ويطم وكان الشهيد ابو عمار ينتظر قدوم المرحوم المناضل سليم ابو زيد والذي كان قد اعتقل قبل الاحتلال في الاردن مع كل من صدقي ابو بكر والدكتور خليل طوقان من منطقة جنين بتهمة التسلل الى اسرائيل . بعد فترة اشيع في بلدة قباطية ان جبال بلدنا قباطيا اصبحت مركزا محوريا لتدريب رجا ل العاصفة ومحل جذب للاننتماء لحركة فتح فاندفع معظم شباب البلدة والقرى المجاورة والذين تعرفوا كلهم على القائد العام ياسر عرفات واذكر مما اذكرة من شدة وقوة ذاكرة ابو عمار ان احد الشباب من قباطية اسمه على الجاجه كان مع الشباب في التدريب وبعد مرور حوالي ثلاثين عاما وعندما حضر ابو عمار الى جنين واستقبله في المقاطعة معظم شباب قباطيه وعلى الفور قال ابو عما ر الله فين على الجاجه لان المذكور لم يلتحق بالثورة في الخارج وبقي في البلد يعمل فلاحا .
بدات قصة منطقة قباطية بالذات قبل الاحتلال لان ابو عمار زار الضفة الغربية قبل الاحتلال واختار بكل عناية المناطق التي يستطيع من خلالها اولا تجنيد القوة البشرية وحشد الطاقات الشعبية وثانيها طبيعة اهل هذه المناطق وطبيعة جغرافيتها وقد وقع الاختيار على بلدة قباطية حيث التقى ياسر عرفات في البداية مع كل من المرحوم سليم يوسف ابو زيد والمرحوم الدكتور عدنان سليم ابو بكر ونصري سعدالله واحمد سليمان ارشيد بمنطقة الاغوار قبل الاحتلال واختاروا الاماكن التي ستتم منها انطلاقة التدريب والتنظيم وكانت قباطية صنعا وان طال السفر .
من يستعرض تاريخ بلدة قباطية يجد انها كانت ممرا للقوافل التجارية ما بين اسيا الصغرى ومصر وبلاد الشام كما انها كانت ممرا لقوافل الحجاج المسيحيين القادمين الى الناصرة وقد اشتهر عن سكانها منذ القدم بصلابتهم وكرمهم وشجاعتهم وبنفس الوقت بساطتهم والاهم من هذا وذالك انهم كانوا سسباقين في مقارعة كل الاحتلالات التي مرت على فلسطين فكان منهم قادة في اللثورة ضد الاتراك اعرف منهم عربي العوض وضد الانجليز فكان الشهيد على ابو عين قد اغتال الحاكم العسكري الانجليزي لمدينة جنين وهذه سجلت في كتاب بلادنا فلسطين لمصطفى مراد الدباغ كاول عملية اغتيال سياسي في فلسطين كما قام المرحوم عبدالغني ابو طبيخ باطلاق الرصاص على مساعد المندوب السامي في القدس .
قباطية تمتاز بجبالها العاليه المليئة بالمغاور مثل جبل المهلل وجبل مهرون وودي اللزام وظهرة البطة وجبل مغر الحد وجبل المنازل وخلة عواد وجبل خلة اللوز ومراح الشومر حيث كان المركز الرئيسي للتدريب ومقر ابو عما ر الذي ينطلق منه ويعود اليه ومنها الخرب القديمة حيث خربة دوثان ذات الاثار الرومانية وخربة عناهم وخربة النجار وخربة ام البطم (والتي التجأ اليها الفدائيون بعد احدى المعارك مع الجيش الاسرائيلي وبها مغارة رومانية محفورة داخل الصخر وواسعة من الداخل لكن لها باب صغير ولم يجرؤ احد من الجنود الدخول اليها فاحضروا شابا اسمه المهر وكان شابا على البركه مسكين ادخلوه الى المغاره فتعرف على الفدائيين وخرج من المغارة وهو يصرخ قائلا المغارة مليئة بالحيايا فانصرف الجنود )وخربة ام النمل وخربة زعتره وخربة خلة اللوز وخربة سفيريا . طبعا هذ الجبال كلها تحيط بالبلده من جميع الجهات وبالتالي فهي مكان حصين يستطيع الانسان ان ينتقل من جبل الى جبل ومن مغارة الى اخرى بكل بساطة . حيث اصبح ابو عمار يستقطب شباب كل القرى المجاورة لقباطيا للتدريب فيها مثل الزبابدة ومسلية والجربا وصانور وميثلون وسيريس والجديدة وجبع وعنزة والزاوية ويعبد وعرابة والعرقة وكفر قود والهاشمية وبرقين وجنين ومخيم جنين وعرانه ودير غزاله وعربونه والجلمة وفقوعه وجلبون وجلقموس وام التوت ورابا والمغير والكفير وعقابا .
لقد كانت قباطية ومنطقة جنين بشكل عام تزخر بالتنظيما ت الحزبية والسياسية حيث كان ابو عمار يعرف تماما التاريخ النضالي لهذه المنطقة حيث انخرط كثيرون بالعمل التنظيمي والعمل الحزبي والقومي قبل الاحتلال ناهيك ان الشهيد عز الدين القسام استشهد في جبال يعبد جنوب غرب جنين
لقد الم ابو عمار بتاريخ ابناء هذه المنطقة واختار المكان المناسب للانطلاق قبل وبعد 67 .
كان الرئيس جمال عبد الناصر رحمه قد كلف اثنين للعمل داخل فلسطين منذ بداية الخمسينات والستينات الاول كان العقيد الشهيد مصطفى حافظ موضع ثقةكبيرة لدى عبد الناصر وكلفه تاسيس وتدريب وتسليح الفدائيين الفسطينيين في القطاع والذي دوخ الاسرائيليين وعلى راسهم شارون قائد كتيبة 101والذي كانوا يسمونه رجل الظل حتى استطاعوا اغتياله بعبوة ناسفة ارسلها له احد العملاء المزدوجين ويدعى طلالفة.
اما الشخصية الثانية فقد كان المرحوم عبدالحميد سراج نائب عبدالحكيم عامر في الاقليم الشمالي ايام الوحدة والذي استطاع تشكيل خلايا عديدة في الضفة الفلسطينية ضمت كل من سليم م اليوسف وصدقي ابو بكر وعدنان ابو بكر من منطقة جنين هؤلاء الذين اعرفهم انا على الاقل
كما كان في منطقة جنين تواجد كثيف للحزب القومي السوري الاجتماعي والذي كان يراسه جورج سعاده والذي سلمه اديب الشيشكلي الى لبنان ليقوم رياض الصلح باعدامه ويعين بدلا منه زعيما للحزب مصفى ارشيد من جنين وكان من بين اعضائه ابو نظمي العربي
علاوة على ذلك فقد كانت جنين ومنطقتها تضم قيادات بارزة في حزب البعث مثل نجيب مصطفى الاحمد واخرون ناهيك عن الحزب الشيوعي والقوميين العرب بالاضافة الى حركة الاخوان المسلمين هذا يعني ان المنطقة كانت تزخر بالحركة السياسية النشطة من هنا وقع اختيار ابو عمار على هذه المنطقة بالذات فكل المدن الفلسطينية كانت كذلك لكن هناك معطيات اضافيه تمتاز بها هذه المنطقة مثل الموقع الجغرافي ووجود عدد لا باس به ممن كان لهم خبرة واسعه واعتادوا التسلل الى اسرائيل بكل بساطة ولديهم فوق كل هذا وذاك ثقافة سياسية وحزبية وتنظيمية.
لم ينس ابو عمار
ذكرياته في قباطية تذكر حتى النساء اللواتي كن يرسلن الطعام للفدائيين الى الجبال ومما اذكره انه عندما استضافه المرحوم سليم اليوسف في منزله بحوش الزيو على العشاء كان طلب ابو عمار ان يأكل البحته التي كان يحبها كثيرها بالاضافة الى ورق الدوالي وظلت قباطية في ذاكرة الرئيس واذكر انه في عام 2000 عندما كانت البلاد تشهد انفلاتا امنيا وخاصة بعد اقتحام شارون للحرم القدسي واختلاط الحابل بالنابل كانت امتحانات الثانوية العامة وكان لا بد من توفير المكان الامن للتصحيح فوقع اختيار ابو عمار على قباطية ليتم تصيح اوراق الثانوية العامه فيها حيث تولى شباب التنظيم حراسة عملية التصحيح الى جانب رجانب رجال الشرطة وقامت بلدية قباطية حيث كنت عضوا في المجلس البلدي بتوفير الفراش والثلاجات والمراوح وكل ما يلزم لطواقم التصحيح وقد ساهمت قباطية برفد الثورة بما يفوق المئتي شهيد وعشرات المقاتلين واكثر من عشرين كادرا قياديا ويشكل اكثر من تسعين بالمئة من مناضلي قباطية في حركة فتح فهي ام الرصاص ام الحجارة .


