حــســــــــن زايــــــــــــد .. يــكــتــب :
حـقـوق الإنسان بـين المنظمات الحقوقية والميثاق
لم تخترع الأمم المتحدة حقوق الإنسان ، فهذه الحقوق موجودة بالفعل منذ بدء الخليقة . وميثاق حقوق الإنسان الأممي هو ميثاق كاشف لهذه الحقوق ، وليس منشئاً لها . فقد أرست البشرية حقوقاً للإنسان ، وجاءت الرسالات السماوية لتؤكد عليها ، نفياً أو إثباتاً . ثم جاءت الفلسفات لتؤصل لهذه الحقوق ، وتعمل علي ترسيخها في الوعي الجمعي للبشرية . وما كان يحدث عبر العصور المختلفة هو إطلاق هذه الحقوق ، أو تقييدها ، أو الجور علي أكثرها ، ومحاربتها ، بحسب نظام الحكم ، والسلطة القائمة .
وما حدث في أعقاب الحرب العالمية الثانية ، في أواخر العقد الخامس من القرن الماضي ، أن رأت الدول المنتصرة في هذه الحرب ، إنشاء منظمة الأمم المتحدة ، بديلة عن عصبة الأمم التي تشكلت في أعقاب الحرب العالمية الأولي . وقد وضعت هذه الدول مجموعة من المباديء تمثل حقوق الإنسان ، وأطلقت عليها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ـ كما أطلقت علي الحربين الأولي والثانية وصف العالمية ، رغم أنهما حربين أوروبيتين في الأساس ـ رغم كونها مستقاة من فكر وبيئة وتاريخ ودين مغاير لفكر وبيئة وتاريخ ودين دول أخري . وقد وقعت عليه الأمم الأخري ، إما بحكم التبعية ، أو حتي لا تكون خارج السياق التاريخي ، المهيمن في اللحظة الآنية من تاريخ العالم .
وبالطبع هناك خلل ، وعدم توازن ، في هذه الحقوق ، بحكم النشأة ، بل إن بعضها يشكل جرائم بحسب الأعراف والتقاليد السائدة في بعض المجتمعات ، أو بحسب الدين المهيمن ـ سواء الوضعي أو السماوي ـ علي هذه المجتمعات . وهي بذلك تفتقر إلي أبسط القواعد القانونية وهي قاعدة العمومية والتجريد ، بما يفقدها أهميتها المدعاة علي نحو من الأنحاء . وأولي صور الخلل هو وضع الدول الخمس دائمة العضوية ، والتي رتبت لنفسها حق الإعتراض ” الفيتو ” علي قرارات مجلس الأمن ، دون بقية دول العالم . والحق في انتهاك حقوق إنسان الدول الأخري ، بفرض العقوبات الإقتصادية عليها ، وحصارها ، والتضييق عليها ، في إطار عقاب السلطات القائمة فيها . وهذه العقوبات تمتد إلي باقي حقوق الإنسان بحكم الآثار والنتائج .
ولو تتبعنا معظم الحقوق سنجد أنها منتهكة علي نحو أو آخر، سواء بفعل السلطات القائمة ، أو بفعل الدول الأخري ، المناوئة أو المنافسة أو المهيمنة علي هذه الدول . فالدول النامية في معظمها انتهكت حقوقها علي يد قوي الغرب الإستعمارية ـ الإستخرابية ـ حين تعرضت للنهب والسرقة والإستنزاف ، وتجريف الحياة الإقتصادية والإجتماعية ، لصالح المواطن الغربي . ولو كان هناك من إنصاف ، أو نصرة لحقوق الإنسان ، لحصلت هذه الدول علي التعويضات المناسبة لتلك الحقب الإستعمارية ـ الإستخرابية ـ التي رزحت فيها تحت نير الظلم والإضطهاد والإستنزاف الدائم لثرواتها ، التي لا زالت تعاني آثاره حتي اليوم . وخاصة أن أكثر الدول رفعاً لعصا هذه الحقوق هي الدول المنتهِكة ـ بكسر الهاء ـ لها ـ سواء في الماضي أو الحاضر ـ سجلات حافلة في هذه الإنتهاكات . وربما لو حصلت الدول المستعمَرة ـ بفتح الميم ـ علي هذه التعويضات لأمكنها ردم الهوة الحضارية القائمة ، وعلاج وترميم بعض الحقوق المنتهكة بحكم الفقر الذي لحق بها ، نتيجة انتهابها .
ليس معني ذلك أنني ضد حقوق الإنسان ، كما أقرها ـ إلا ما تعارض مع قيمنا وديننا ـ ميثاق الأمم المتحدة . بالعكس أنا معها قلباً وقالباً . ما أنا ضده هو توظيف هذه الحقوق ، وخصوصاً السياسية منها ، كذريعة للتدخل في شئون الأمم وانتهاكها ، واستخدامها مخلب قط ، وعصا غليظة في مواجهة هذه الأمم . وتمويل منظمات المجتمع المدني ، وعلي رأسها المنظمات الحقوقية التي تخصصت في تقديم التقارير المتعلقة بالحقوق السياسية ، في مقابل الحصول علي التمويل الأجنبي . والتقارير هي تقارير موجهة مغرضة ، ويجري تقديمها إلي جهات مشبوهة . ومن هنا تكون هذه الحقوق مسيسة ، بما ينفي موضوعية المتحدثين عنها .
وأنا لا أدري لماذا لا تنتفض هذه المنظمات ، علي إثر أي انتهاك لحقوق الإنسان في الدول المُمَوِّلة ، ولا ترفع عقيرتها ، وكأن في أفواهها ماءًا ، احتجاجاً علي هذه الإنتهاكات ؟ ! . كانتهاك الحق في الحصول علي المعلومات وتداولها في قضية إغتيال كيندي في أمريكا ، وانتهاك حقوق الإنسان الكتالوني في أسبانيا ، وفرض حالة الطواريء في فرنسا وبلجيكا .
ولماذا لا تتحدث هذه المنظمات ـ والدول التي خلفها ـ عن بقية الحقوق الأخري ، وقصر تقاريرها علي حقوق فئات معينة ، كحقوق الشواذ ـ المثليين ـ جنسياً ، والحقوق السياسية . فهناك حقوق أخري مثل الحق في التعليم ، والحق في العمل ، والحق في السكن ، والحق في مستوي معيشي معين … الخ ، يجري تجاهلها عن قصد ؟ ! .
وقد أحسن الرئيس / السيسي ، في أثناء زيارته لباريس ، وأثناء المؤتمر الصحفي ، عندما رد علي سؤال أحدالصحفيين الخبثاء ، الذي أراد استدراجه إلي زاوية إنتهاك حقوق الإنسان ، واستفزاز الرئيس الفرنسي ، واستنفاره في مواجهة الرئيس من هذه الزاوية ، حين رد قائلاً : لماذا التركيز علي حقوق بعض الإرهابيين ، ومعاونيهم ، وإهمال وتجاهل الحقوق الأخري للمواطنين ، والتي تمس جموع المواطنين ، وكذا تجاهل حقوق الشهداء والجرحي ، وأسرهم وذويهم . وقد أراد بهذه الإجابة كشف عمالة هذه المنظمات ، والعاملين تحت جناحها ، وأنها مستخدمة سياسياً واستخباراتياً .
وحسناً فعل الرئيس الفرنسي الشاب حين رد الأمر إلي كل دولة بحسب ظروفها ، وقد عاب علي الغرب التدخل في هذا الشأن علي نحو أو آخر . وقد قال ذلك وهو موقن أن منطلق الغرب في ذلك ، ليس حقوق الإنسان التي انتهكت علي أيديهم في كل بقاع الأرض ، وإنما هو منطلق سياسي ، يستهدف الإبتزاز .
فهل يُعاد النظر في ميثاق الأمم المتحدة ، علي نحو يضمن وضع آليات تحفظ لها دوليتها ، وموضوعيتها ، وحيادها ، كمجلس إدارة للكرة الأرضية ؟ ! .
حــســــــن زايــــــــــد


