الاتصال البصري جزء طبيعي من معظم المحادثات غير الرسمية على أي حال، لكنَّه دائماً ما يكون مهماً، فنحن نضع افتراضات حول شخصيات الأشخاص استناداً إلى متى ينظرون في أعيننا، أو يتجاهلونها عندما نتحدث إليهم، وعندما نمر بالغرباء في الشارع أو بمكانٍ عامٍ آخَر، يمكن أن نشعر بأننا منبوذون إذا لم يتواصلوا معنا بأعينهم.
فيُنظر للشخص الذي لا ينظر إلى عيون الآخرين في أثناء الحديث، غالباً، على أنه كاذب، أو يشعر بالملل، أو خجول، أو قليل الثقة بنفسه، لكن اكتشف الباحثون ، أن هناك تأثيرات غريبة للتحديق والنظر في أعين الآخرين.
فقد أجرى عالم النفس الإيطالي جيوفاني كابوتو دراسة في جامعة أوربينو لمعرفة ما يحدث في الدماغ البشري عندما يحدق شخصان بعيني بعضهما البعض لفترة طويلة من الزمن، فنجَّد هو وفريقه 40 شخصا من البالغين الأصحاء وقسمهم إلى مجموعتين، اقتيد 20 منهم إلى غرفة فيها ضوء خافت، ثم طُلب منهم التحديق دون عائق في أعين بعضهم البعض لمدة 10 دقائق.
وقيل للمشاركين العشرين الآخرين أن يركزوا أعينهم على جدار فارغ، استكمل كل مشارك استبيانا للإبلاغ عما حدث معه، اتضح أن الأشخاص الذين نظروا إلى عيني شخص آخر لفترة طويلة من الزمن عانوا أعراض الانفصال، مثل الإحساس بالانفصال عن أجسادهم، والانفصال عن الواقع، والتغيرات في إدراك الصوت والألوان، وعدم الإحساس بالوقت.
التأثيرات الغريبة للتحديق والنظر في أعين الآخرين
إنه يجعلنا أقل وعياً فعلى سبيل المثال، هناك استنتاج متكرر يتمثل بأنَّ النظر في العينين يجذب انتباهنا، وهو ما يجعلنا أقل وعياً بما يدور حولنا (ما حولنا يتلاشى إلى اللون الرمادي).
ويثير التحديق أيضاً في نظر أحد الأشخاص مجموعة من عمليات الدماغ على الفور تقريباً، لأنَّنا نفهم حقيقة أنَّنا نتعامل مع عقل شخص آخر ينظر إلينا حالياً.
ونتيجة لذلك، نصبح أشد وعياً بقوة الشخص الآخر؛ بأنَّ لديه عقلاً ومنظوراً خاصاً به، وهذا بدوره يجعلنا أشد وعياً بالذات.
حتى إن التحديق بأعين القرود أو الصور الصماء يؤدي إلى نتائج مماثلة
ومن التأثيرات الغريبة للتحديق ما يحدث عند النظر في أعين حتى الحيوانات.
قد تكون لاحظت هذه التأثيرات بقوة إذا كنت قد حدقت النظر في أحد القرود بحديقة حيوانات: فمن المستحيل تقريباً ألا يكون قد هيمن عليك الإحساس العميق بأنَّه واعٍ بك ويتفحصك، ويُكوِّن رأياً تجاهك.
وفي الواقع، فحتى لو نظرنا إلى صورة مرسومة يبدو أنَّها تتواصل بالعين، يتضح أنَّها تحفز نشاطاً عقلياً في الدماغ يتعلق بالإدراك الاجتماعي، ويحدث ذلك في المناطق المعنيَّة بالتفكير في أنفسنا والآخرين.
والنظر في أعين شخصيات بفيديوهات يستنزف مخزوننا المعرفي، وليس من المستغرب أنَّ عملية إدراك أنَّنا موضع اهتمام عقل آخر تُعد عملية مُشتِّتة بشدة.
ففي دراسة حديثة أجراها باحثون يابانيون، نظر المتطوعون في مقطع فيديو إلى وجهٍ، في حين كانوا يحاولون حلَّ لعبة تتضمن ذكر أفعال تتناسب مع أسماء مختلفة باللغة الإنجليزية (على سبيل المثال: إذا سمعنا كلمة «الحليب»، فسيكون الفعل «يشرب» من الأفعال المناسبة).
وكان من بين الملاحظات المهمة أنَّ المتطوعين واجهوا صعوبة أكبر في هذه اللعبة (مع الأسماء الصعبة فقط) عندما بدأ الوجه الذي يظهر في الفيديو يتواصل معهم بالعين.ويعتقد الباحثون أنَّ هذا التأثير حدث بسبب التقاء الأعين، حتى لو مع شخص غريب في الفيديو، وأنَّ هذا التأثير شديدٌ، لدرجة أنَّه يستنزف مخزوننا المعرفي.
فيما قال الباحثان في بيان صحفي عن تلك النتائج: “تعرف غالبية الناس أن الحفاظ على تواصل بصري مع شخص آخر في أثناء التحدث يمكن أن يكون صعباً أحياناً. ففي بعض الأوقات، تصبح هناك رغبة ملحة في النظر بعيداً، وعندما يحدث ذلك أحياناً فنحن نحاول تخفيف الحمل الزائد عن أدمغتنا بالتركيز بشكل كامل على المعالجة اللفظية”.
ويقول الباحثان إن النتائج تظهر أن التواصل المفهوم بشكل كامل يتطلَب فهماً لإمكانية تداخل وتفاعل “القنوات” غير اللفظية مع اللفظية.

