الوعد المشؤوم والذكرى المئوية المؤلمة
قبل قرن من الزمان وعشرة أعوام دعا رئيس وزراء بريطانيا آنذاك كامبل بانيرمان من المحافظين الى مؤتمر أوروبي عام 1907م حضره سبعة دول أوروبية بدون ألمانيا حيث بين ووضح لهم كامبل أهمية الأراضي العربية من المحيط للخليج والفائدة العائدة من استغلالها لمصالح اوروبا وذلك بالعمل على السيطرة عليها وعلى مقدراتها وخيراتها من خلال استعمارها وتقسيمها وزرع جسم غريب في وسطها يفصل القسم العربي الافريقي عن القسم العربي الآسيوي ،
وجاءت اتفاقية سايس بيكو عام 1916م التي قسمت الوطن العربي الى دول متعددة ، وفي الثاني من تشرين الثاني عام 1917م أطلق المسؤول البريطاني آرثر بلفور باسم حكومته الوعد العدواني ضد الشعب الفلسطيني بإنشاء كيان قومي لليهود في الوطن الفلسطيني وكان وعد من لا يملك لمن لا يستحق واستغرق تنفيذ الوعد من قبل العصابات الصهيونية و الحكومة البريطانية الاستعمارية مدة ثلاثين عاما حيث حل عام 1948م و كان عام النكبة القاسي والمؤلم على الشعب الفلسطيني الصامد الصابر حيث تم تهجير قسري لمئات الآلاف من الفلسطينيين واعلان قيام اسرائيل وأول من هيأ الأجواء الدولية واعترف بها بريطانيا التي أنشأتها وروسيا وأميركا.
ومنذ ذلك والشعب العربي الفلسطيني يتذكر بألم الوعد المشؤوم الذي تم تنفيذه بتخطيط وتمويل ودعم و حماية بريطانية لليهود على الأرض الفلسطينية العربية ، وبالرغم من ذلك الا أنه كان هناك علاقات عربية مع لندن سياسية واقتصادية وعسكرية وافتتحت الدول العربية المستقلة سفارات متبادلة مع حكومة بريطانيا الا أن المصالح البريطانية والاسرائيلية هي المفضلة والأولى بالرعاية حيث وقع العدوان الثلاثي البريطاني الاسرائيلي الفرنسي على مصر عام 1956م.
ونرى بريطانيا قد قدمت كافة أنواع الدعم لليهود المادي والمعنوي والعسكري والسياسي والاقتصادي واللوجستي والحماية حتى أوصلتهم وسلمت لهم مفاتيح الدولة وذلك على حساب الشعب الفلسطيني والوطن الفلسطيني وتشريد الشعب الفلسطيني في الشتات وهي التي أعدت سابقا قرار التقسيم ووضعت ثقلها في عصبة الأمم وأصدرته عام 1947م ورفضه الفلسطينيون والعرب،
واستمر دعم الحكومات البريطانية المتلاحقة في دعم كيان اليهود حتى يومنا هذا وبعد مرور مائة عام من العذاب والألم والقتل والتشريد والضياع الذي حل بالشعب بالفلسطيني جراء تنفيذ الوعد الاستعماري ضد فلسطين وشعبها ، نسمع همسا يطالب باعتذار بريطانيا للشعب الفلسطيني عن وعدها لليهود ولكن الوعد لم يعد وعدا منطوقا او مكتوبا بل أصبح واقعا مريرا ونكبة وأسى مفروضا وحقيقة على الوطن الفلسطيني ولا أتوقع أن تقدم بريطانيا اعتذارا بهذا الخصوص وحتى لو قدمت هذا الاعتذار فهل سيشطب هذا الاعتذار عذابات الشعب الفلسطيني المستمرة ويعيدهم من اللجوء الى ديارهم التي خرجوا منها قسرا ويعيد الوطن لأصحابه الحقيقيين ، ولذلك فإن هذا الاعتذار إن صدر فعلا عن الحكومة البريطانية فلن يعود بفائدة أو أثر على الشعب الفلسطيني وخاصة اللاجئين في الشتات خارج الوطن ، ولهذا ما يصب في مصلحة اللاجئين وبقية الشعب الفلسطيني هو رفع قضايا تعويض من ممثلين ووكلاء لستة ملايين فلسطيني على الأقل على حكومة بريطانيا في المحاكم الدولية والبريطانية عن الضرر البالغ والجسيم الذي لحق بالشعب الفلسطيني جراء الوعد المشؤوم وما تبعه في السنوات اللاحقة من واقع مرير وملموس على ارض الوطن الفلسطيني تجسد في مساعدة المستعمرين البريطانيين للعصابات الصهيونية والاحتيال على الجيوش العربية عام 1948م وتمكين اليهود من احتلال المدن العربية بعد امدادهم بآلاف الجنود والمتطوعين وتسهيل حركتهم.
وأهم مستند في هذه القضية بالإضافة للوثائق التاريخية المصورة والموثقة هو احتفال رئيسة وزراء بريطانيا الحالية بمرور مئة عام على وعد بلفور العدواني والاستعماري الذي صدر في خريف عام 1917م وهذا الاحتفال يعبر عن اعتراف وافي وكامل من قبل الحكومة البريطانية بالمسؤولية عن مأساة الشعب الفلسطيني التي وقعت في القرن الماضي وما زالت آثارها وتداعياتها حتى اليوم.
ورفع قضايا التعويض عن الضرر الجسيم والغبن الكبير الذي لحق بالشعب الفلسطيني قبل النكبة وبعدها مهم جدا لأن حكومة بريطانيا ستعيد حساباتها عندما تواجه آلاف القضايا المقامة عليها من قبل الشعب الفلسطيني من قبل محامين من شتى دول العالم ليطالبوا بتعويضات بمئات المليارات من الجنيهات الاسترليني بدل الأضرار والمآسي التي أصابت الشعب الفلسطيني وليس تعويضا عن الأرض،
لما ورد ذكره أرى أن احتفال رئيسة وزراء بريطانيا بمرور مئة عام على وعد بلفور اللعين وقيام الحكومات البريطانية المتعاقبة منذ ذلك الوقت بتنفيذ الوعد على الأراض الفلسطينية والدعم المتوالي للمحتلين وفخرها بذلك فإنه يعتبر دليلا كبيرا على ادانة السياسيين والحكومات البريطانية المتعددة اللاحقة للوعد لكونهم هم السبب الرئيس بالتخطيط والتنفيذ لدمار ومأساة الشعب الفلسطيني والتي بدأ تنفيذها منذ مئة عام سابقة،
وعليه أرى أن هذا الموضوع يجب أن يستحوذ على اهتمام الساسة الفلسطينيين والعرب ورجال القانون الفلسطينيون والعرب وأخذه على محمل الجد بدل من ندب حظنا كل عام ونلطم على خدودنا في ذكرى الوعد اللعين المشؤوم.
2/11/2017م
المحامي عودة عريقات
الوعد المشؤوم والذكرى المئوية المؤلمة بقلم:عودة عريقات


