أساطير “خطة الحسم”
عمر حلمي الغول
دولة قامت على الأساطير الكاذبة، ليس مستغربا أن تعيد نخبها السياسية وخاصة اليمينية المتطرفة المسكونة بالميثولوجيا الوهمية إنتاج وإستحضار تلك الأساطير لتحقيق مآرب إستعمارية على حساب السلام والتعايش بين دول وشعوب المنطقة. بتسليئل سموتريتش، عضو الكنيست عن كتلة “البيت اليهودي” أعلن يوم الأربعاء الماضي على القناة الثانية الإسرائيلية عن “خطة الحسم” الهادفة إلى تشجيع تهجير الفلسطينيين من داخل ال48 والضفة الفلسطينية، او القبول بسيطرة إسرائيل على اراضي دولة فلسطين المحتلة في الخامس من حزيران 1967، او إدامة الحرب. المستوحاة من الشخصية الأسطورية يهوشع بن نون، التي اكد باحثو الآثار الإسرائيليون أنها شخصية وهمية، لا يوجد لها سند واقعي واحد. وإدعاء إحتلاله أريحا، ليست سوى أسطورة كاذبة كمن أنتجها وروجها. لإن التاريخ لم يدون هكذا حادثة.
وتعميقا لخيار الترانسفير الإستعماري لسموتريتش أعلن الجمعة الماضي في مقابلة مع صحيفة “ماكور ريشون” التي تمثل تيار اليمين المتطرف “أنه لن يكون هناك سلام بين إسرائيل والفلسطينيين.” وأضاف ” يوجد هنا مكان لتقرير المصير وتحقيق التطلعات القومية لشعب واحد، فقط، هو الشعب اليهودي. وهذا “عادل” و”أخلاقي”. وتابع النضح من وعائه العنصري القبيح “وهذا ليس مفتوحا لل”تطلعات القومية الفلسطينية. ليس هنا، وليس على حسابنا، .. وسأقتل أملهم.” ودعا لفرض السيادة الإسرائيلية على اراضي دولة فلسطين المحتلة عام 1967 كلها، وليس مناطق “سي” فقط. مما حدا بالؤرخ التاريخي، البرفيسور دانيال بلطمان أن يربط “بين إعجاب سموتريتش بمرتكب الإبادة العرقية التوراتي، يهوشع بن نون، وتبنيه قيم النازية الالمانية.”
سموتريتش، عضو حركة “الوحدة القومية” (هئيحود هليئومي) او تاكوماه برئاسة أريئيل، وزير الزراعة، المنضوية تحت راية حزب “البيت اليهودي” بزعامة نفتالي بينت، نطق دون مواربة او مداورة رؤية قادة اليمين المتطرف الصهيوني. وما ذكره نائب رئيس الكنيست لا يعكس رأيه فقط، انما هو يعبر عن التوجهات الإستعمارية الإسرائيلية. وفي حال وجد تباين في النصوص والمفردات بين مواقف النخب السياسية الحاكمة، فإنها لا تخرج عن الخيار الجمعي لقوى اليمين الصهيوني المتطرف بقيادة نتنياهو، التي تعمل بشكل حثيث على وأد وتصفية التسوية السياسية وخيار حل الدولتين على حدود الرابع من يونيو/ حزيران 1967، والتخندق في المواقع الأمامية المتقدمة لخيار الإستيطان الإستعماري على فلسطين التاريخية من البحر إلى النهر، وتهديد الأمن والسلم الأقليمي والعالمي.
إستحضار بتسليئل إسطورة يهوشع بن نون، ليست من باب العبث، ولا جاءت بالصدفة، انما عكست ما تختزنة الذاكرة الجمعية للصهاينة عموما والمتطرفين خصوصا، اصحاب النزعات الأيديولوجية الفاشية. الذين لا يأبهون بمصير السلام والشعوب، بل تسكنهم طبول الحرب والقتل والتدمير إسوة بتنظيم الدولة في العراق والشام “داعش” و”النصرة” وغيرهم من الجماعات المأجورة، التي باتت تعد ايامها وانفاسها الأخيرة، وهي من أنتاج إسرائيل وحليفتها الإستراتيجية أميركا. وبالتالي طرح سموتريتش يتماهى مع واقع دولته الإستعمارية، القائمة على الأساطير المزورة والوهمية. ومن يعود لمركبات بناء الوعي السياسي والديني والتربوي الأكاديمي والثقافي والإعلامي والأمني /العسكري في دولة التطهير العرقي الإسرائيلية يستطيع تلمس ذلك في مختلف مناحي الحياة، ولم يتعافَ من براثن هذا الفكر الفاشي سوى قلة قليلة، أدركوا بتجربتهم الشخصية، ان إسرائيل وقياداتها الشعبوية الفاشية تأخذ شعوب المنطقة عموما، وليس اليهود الصهاينة فقط إلى “محرقة جديدة”. لإنهم أعداء السلام والتعايش بين الشعوب.
ولكن السؤال اين هي اميركا وناطقيها من خطة الحسم الفاشية؟ ولماذا الصمت على ذلك؟ وما هو التحريض على القتل والتهجير والتطهير العرقي إن لم يكن في ما اعلنه سموتريتش النازي؟ العالم كله، وليس اميركا فقط مطالب بالرد على عضو الكنيست الإسرائيلي. ويا حبذا لو العرب المتهافتون في دوامة التطبيع المجاني يتريثوا قليلا قبل غرقهم في مستنقعات إسرائيل الإستعمارية ألأسنة.


