لن تقف الإعاقة حاجزاً أمام طموحات الشاب محمد الدلو (23 عاماً) من سكان مدينة غزة، فالفن بالنسبة له أداة ووسيلة للتعبير عما يجول بخاطره، وما يريد أن يوصله للعالم من رسائل تضم زوايا عدة وقضايا مختلفة، فالتنوع بالأساليب الفنية واحترافيته كانت كفيلة بلفت أنظار الجماهير نحو أعماله.
وقد أصيب الشاب الدلو بمرض ضمور في العضلات وهو في رحم أمه، فجعلت منه إنساناً مشلول الأركان لم يستطع تحريك شيء من جسده سوى رأسه وأصابع يديه، وبالرغم من كل ذلك تمكن من على كرسيه المتحرك أن يتميز عن غيره في مجال الفن بإرادته وعزيمته، فلم يعد يعتمد على القلم والريشة كما غيره من الفنانين التقليديين؛ ليبدع في مجال “الفن الرقمي” والذي يتم تصميمه عبر لوحة الشاشة الإلكترونية والجوالات الحديثة.
“الأنمي حياتي”
وفي مقابلة مع الفنان التشكيلي الدلو، فيقول: “اهتممت بمجال الفن منذ عام 2011م، حينما تركت دراستي في الثانوية العامة، وذلك جاء بعد وعكة صحية ألمت بجسدي فأنهكته، فلم أستطع مواصلة مسيرتي التعليمية، ذلك الأمر الذي جعل جل اهتمامي بالتركيز على المجال الذي رأيت نفسي فيه منذ الصغر، فحاولت أن أطور من ذاتي من خلال التعلم عبر الإنترنت لأتخصص فيما بعد بمجال الأنمي”.
يضيف: “انخرطت بعالم الأنمي فيما بعد لأوصل رسالة للأطفال قبل الكبار، كون هذا المجال يخصهم، بعيداً عن الفن الفلسطيني الذي يأخذ انطباعاً تقليدياً عاماً عن التراث والحرب، فعبرت من خلاله عن قضايا اجتماعية وثقافية إلى جانب السياسية منها، حيث لاقت الرسومات اعجاباً واندهاشاً من قبل الزائرين والمتواجدين في المعارض التي كنت أشارك بها”.
وبالرغم من صعوبة تنقله، إلا أنه شارك بعدة معارض مشتركة كانت بدعم من وزارة الثقافة ومؤسسات عدة، إلى أن أقام معرضاً شخصياً عام 2015م بعنوان “الأنمي حياتي” كانت عبارة عن 100 لوحة فنية استخدم فيها أقلام الفحم، استهدف فيها زوايا وقضايا مختلفة، وفي عام 2017م شارك بمعرض “أمنياتي” والذي كان يضم زوايا عديدة كـ (السوشيال ميديا) والأشخاص ذوي الإعاقة بفن جديد اسمه “الدادا”، إلى جانب الفن التعبيري بالجمل والكلمات، هذا ما أوضحه.
ويؤكد على أنه، أبدع في مجال الفن الرقمي بإضفاء الألوان بطابع جميل يسلب الأنظار إلى جانب التركيز على القضايا المهمة والتي يتفاعل معها الجمهور، مشيراً إلى أن الإعاقة لم تعد عائقاً له بل دافعاً لتميزه، حيث إنه يشعر باختلافه عن الآخرين.
وعلى صعيد الإنجازات التي حققها في مجال الفن والتي نالت إعجاب الكثيرين، فبين أن العديد من الصعوبات واجهته في بداية مشواره الفني من عدم توفر المواد الخام والأدوات المستخدمة بالرسم، فكان من الصعب توفير المعدات والألوان والورق والدفاتر لغلاء الأسعار، ذلك الأمر الذي جعله يتجه فيما بعد نحو “الفن الرقمي” من تصميم ورسم عبر شبكة الإنترنت والجوال المحمول، فأكسبه ذلك الفن مهارة وخبرة أكثر مما كان عليه سابقاً، فالانطباع لديه ومن خلال رسوماته لم يعد تقليدياً بالاعتماد على القلم والريشة كالفنانين الآخرين، فهو تخطى ليصل إلى عالم التكنولوجيا، هذا ما أشار إليه الفنان الدلو.
ويأمل الدلو، بأن يشارك في معارض دولية أو معارض فنية بالضفة الغربية كي يجمع بين شطري الوطن، من خلال رسائل الحب والحرب التي تجتمع معاً في لوحاته المنوي بها إيصال رسائله للعالم، بحيث تكون المعارض ذات قيمة تعطي اهتماماً للفن، ويكون لها هدف بمواكبة الفنان ودعمه.
وفي الحديث مع (يونس الدلو) والد الفنان محمد، يقول: “محمد ربنا أعطاه موهبة الرسم منذ الطفولة، لكن في مرحلة الإعدادية بدأ يهتم فيها أكثر، وفي مرحلة الثانوية العامة مع تركه للدراسة وعدم مواصلته للتعليم لأسباب صحية، اغتنم مكوثه بالبيت لساعات طويلة بتنمية موهبته، فعمل عليها بشكل أكبر ونمى مهاراته وقدراته ذاتياً، وبدأ يدرب نفسه من خلال الإنترنت و(اليوتيوب) والاستفادة من أصدقائه”.
ويضيف: “في جميع المعارض التي شارك بها لاقى نجاحاً كبيراً، وحضوراً كبيراً من كافة شرائح المجتمع من فنانين ومهتمين بالفن التشكيلي وشخصيات اعتبارية”، مؤكداً على أن الفنان بريشته قادر على إيصال الرسالة التي يريدها إلى كل العالم.


