د. يسر الغريسي حجازي
08.09.17
يجب من البداية الاعتراف بالانفتاح و تولى البعد السياسي للثقافة ثم تحديد ظاهرة العولمة والحالة التي أدت الي نظام التبادل الحر, و إلي كسر حدود العالم. كما انه تطور متعدد الأبعاد يشكل اليوم، إعادة تشكيل السياقات الاقتصادية, والسياسية, والثقافية. انها العولمة مع القضايا التصنيفية.
وكان سقوط جدار برلين في عام 1989 هو الحدث المؤسس للعولمة، حيث ساهم في إعادة توحيد المانيا في 1990 ( جمهورية ألمانيا الديمقراطية و جمهورية ألمانيا الاتحادية), بعد أربعين سنة من الحرب الباردة..
و ولدت أيديولوجية نيو ليبرالية جديدة، وكذلك شرعية سياسية حولت الأيديولوجيات السابقة التابعة للرأسمالية والشيوعية. إنها ديناميكية جديدة ذات حيوية استثنائية قد أثبتت، ضرورة تحرير العالم لصالح التعددية والتنوع العالمي. كما أثبتت الديكتاتوريات وأنظمة العبودية انها ضد الانسان والإنسانية، و تشكل خطر علي بقائه. وذلك ما يفسر تحفظ الحكومات الإسلامية والعربية بصفة عامة اتجاه الانفتاح العالمي، و الذي يتطلب شفافية خالصة لتوزيع الموارد، وبنك معلومات دقيق حول الرصد للإنتاج المحلي.
ومع ذلك، هناك حاجة إلى البعد الاقتصادي, والتكنولوجي بدون اي قيود حتي تتم الهيمنة على السوق العالمي بثقافة جديدة, وقيم غير عادية، فضلا عن سياسة متعددة الأطراف، مع إضفاء الطابع الإقليمي على الأمن ضد الإرهاب العالمي. وهذا التحول السياسي، سببه الارتفاع السريع لتقدم التكنولوجيات الفائقة, والعلوم ،و قوة الاستثمارات الدولية.
انه نظام ماراثوني يحكمه القوى الاقتصادية العالمية، والذي لا يزال غير قادر على فرض الديمقراطيات في كل دول العالم، خاصة في العالم العربي بسبب قلة النزاهة الأخلاقية للأنماط الإشكالية، وممارسة النظام المركزي، و الذي لا يمنح احراز التقدم. ومع ذلك، تنص حركة العولمة على تنسيق المسؤوليات السياسية, والاجتماعية ,والمدنية، وما زالت الدول العربية بعيدة عن الديمقراطية و طريق السلام العالمي.
ومع ذلك، تسمح مؤشرات النمو بتحليل مراحل استدامة التنمية البشرية، و الأبعاد البنائية، ورأس المال الإنتاجي في المنفعة الاجتماعية, من حيث الإنصاف. وتحدد المنافع اذا تحققت الحقوق الأساسية لكل الطبقات الاجتماعية، وكذلك المساوئ والعوائق التي تمنع التنمية البشرية, والنمو الاجتماعي الجيد. ومن ثم, فإن هذه المعايير تمثل مؤشرات الناتج المحلي الإجمالي كمعيار مرجعي لمراقبة الاحتياجات الاقتصادية والاجتماعية، والانتاجية, وتوزيع الموارد وفقا للقوانين, والحنكة السياسية.
ان الاقتصاد الدولي يتمركز حول إدارة الموارد العالمية، والقضايا السياسية الهامة. كما ان العلاقة جديدة بين البلدان, وبين سكان مختلف الثقافات والانتماءات الاجتماعية, والعرقية, والدينية. هذه السياسة الأبعادية تبرز شكوك بالنسبة للبلدان التي ما زالت تتطور، وخاصة العالم العربي الذي يعاني حاليا من الهبوط الاقتصادي والسياسي بسبب سيطرة حكوماته علي اموال الدولة, وذلك منذ سنين. ومع التقدم السكاني, زاد الفقراء فقرا, وتهلهل الهرم الاقتصادي ومعه الطبقة الاجتماعية التوسطة, ليظهر الفقر المدقع وعدم حصول اكثر من خمسين بالمئة علي الخدمات الاساسية للبقاء علي قيد الحياة. كما ان قمع الحريات وسلب الحقوق الاساسة من الشعوب العربية, غلغلت الغضب والتطرف الديني, والجريمة, والصور النمطية, بسبب الانعزال االكلي المفروض علي الشعوب. مما يفسر الاختلاف في الاراء, وعدم التسامح بين الناس واتلاف النسيج الاجتماعي بالكامل.
إننا نتحدث هنا عن الظروف والفرص التي تتحرك بأقصى سرعة, من خلال انتشار الشبكات الاجتماعية والعمليات الجديدة التي, تنطوي على حقائق سياسية واقتصادية, وتكنولوجية وثقافية, ودينية بالغة الأهمية. ويكمن الخطر في السياسات الانفرادية التي لم تتغير على مدى الأجيال، مثل سوء التوزيع الاقتصادي وعدم المساواة الاقتصادية, والاجتاعية, والسياسية، وعدم الوصول إلى الاحتياجات, والقدرات, بسبب التفاوتات. حيث ان الانظمة القائمة علي سياسات المساواة والعدالة, مهيأة لإعادة صياغتها وفقا لنظام اقتصادي مستدام ومربح من الداخل, ومن الخارج.
هو الشرط علي ان تكون الدول, جزءا من عالم ينظم وفقا لسوق عالمي مشترك، من حيث التقارب في قيم الإنصاف, والعدالة للجميع. ببساطة, ان هذا التفكير يدعو أيضا إلى تحرير الروح، وتبني ثقافة خير منفتحة تقود الي التبادل, و تقبل الثقافات الأخرى, والتأملات دون المحرمات أو القوالب النمطية. إن تنظيم العولمة, هو مسألة قوى تقنية واقتصادية لاعادة طريقة جديدة للتفكير تعبر عن تحديثات عامة في جميع الضمائر.
عملية دائما متماثلة، نظرا إلى التحديثات التقنية, والعلمية, والاقتصادية المتكررة، والرغبة في اتفاق جماعي. ويحدد هذا المفهوم نشاطا للوعي والعزم على بناء شعوب متحدة من أجل مصلحة الجميع، والقضاء على الفقر، ومنح الديمقراطيات العادلة والدفاع عن الانسان والإنسانية. انها بكل المعاني حالة من الصحوة المفرطة, التي تتصفح جميع جوانب الأمن العام، والحق لكل الشعوب في المواطنة في داخل بلدانهم, وحرية اختيار انتمااتهم, وهويتهم الاجتماعية
ان العولمة سوق عالمي مع تحول في رؤوس الأموال ومفاهيم الترابط، والتقارب البشري الذي يمكن أن يدعم نظامنا الإيكولوجي، واقتصادنا المتنامي. وتشهد المنطقة العربية تباطؤا في التبادل التجاري والتبادل العلمي، حيث أن التنظیم الداخلي للتدخيل یتطلب أولا, إدارة سلیمة بقواعد بیانات دقیقة لتقییم الناتج المحلي الإجمالي. وهو مؤشر الناتج الاقتصادي المكمل للبلد، مما يجعل من الممكن قياس إنتاج الثروة التي تتحقق من قبل الحكومة
وبالتالي، فإن الناتج المحلي الإجمالي يعكس معدل النمو الاقتصادي للبلد، ويحدد مجموعة “القيم المضافة” لكل فاعل في الاقتصاد، فضلا عن الناتج المحلي الإجمالي لتدفقات الدخل من الخارج. ومع ذلك، تشير التنمية الاقتصادية والاجتماعية إلى أن هناك زيادة في الإنتاج ,ولكن ليس بالضرورة أن هناك تطورات إيجابية في الوضع الاجتماعي, والصحي ,والتكنولوجي للبلد. مما ينعكس التقدم البشري في مؤشر التنمية البشرية المعنون في “دليل التنمية البشرية” و الذي يحدد التحسينات في رفاه السكان، و وضع الحقوق الاقتصادية, والاجتماعية السياسية، اذا كانت للجميع، بما في ذلك الحصول على الخدمات الاجتماعية مثل الصحة، والتعليم ، واحترام حقوق الإنسان والحريات.
ولذلك، هناك فرق بين النمو الاقتصادي والتنمية الاجتماعية، حيث أن العدالة الاجتماعية تتميز من خلال مستوى التنمية البشرية، وهو مؤشر إحصائي مركب تم انشائه من قبل برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في سنة 1990, من اجل تقييم مستوى التنمية البشرية في كل بلدان العالم. ويستند مؤشر التنمية البشرية إلى ثلاثة معايير: الناتج المحلي الإجمالي للفرد، والعمر المتوقع عند الولادة، ومستوى التعليم.
ومفهوم التنمية البشرية أوسع بكثير, لأنه ليس سوى مؤشر أنشأه برنامج الأمم المتحدة الإنمائي لتقييم ما لم يتم قياسه بدقة. كما ان الناتج المحلي الإجمالي للفرد الواحد، لا يوفر معلومات عن الرفاه الفردي أو الجماعي، وإنما يقيس الناتج الاقتصادي فقط. وتم تطوير هذا المؤشر في عام 1990 من قبل الاقتصادي الهندي أمارتيا سين والاقتصادي الباكستاني محبوب الحق. وهناك مؤشر مستمد من دليل التنمية البشرية، وهو مؤشر التنمية المرتبط بنوع الجنس، الذي يبين الفوارق بين الجنسين، والاختلافات في الحياة بين الرجل والمرأة , خاصة في الدول ذات السياسة المتسلطة والطابع الذكوري
ان النمو الاقتصادي يشمل “التقدم”, لأنه يؤدي إلى زيادة في مستويات معيشة السكان. ثم نتحدث عن المؤشرات الابعدية للرفاه الاجتماعي (بالمعنى الاقتصادي)، والرغبة في توحيد التنمية الاقتصادية مع التقدم..
كما ان الفرق بين النمو الاقتصادي والتنمية الاجتماعية يتم تمييزه من خلال الناتج الاقتصادي.
ان مؤشر التنمية البشرية هو مؤشر مركب، محسوبا بمتوسط ثلاثة مؤشرات مثل: تقييم الصحة ,حسب العمر على أساس العمر المتوقع عند الولادة, و الحصول على الغذاء الآمن, ومياه الشرب, والسكن اللائق, والرعاية الطبية الأساسية. ويقاس التعليم أيضا بمعدل الالتحاق بالمدارس، وعمر الأطفال في سن الدراسة, والتحاق الجامعة والدراسات العليا، وممارسة المواطنة، فضلا عن القدرة على المشاركة في صنع القرار. ويشمل مستوى المعيشة الدخل الإجمالي للفرد، بالتوازن مع القوة الشرائية، والحصول على الثقافة..
وفقا لديسفارجيس، (1945) في كتابه “العولمة الاقتصادية والعولمة السياسية”، ظهرت الاكتشافات الكبيرة في أوروبا خلال القرنين 14 و 15, وساهمت في التقدم التقني للملاحة، والمعرفة الجغرافية. وقد سمح ذلك بالتقدم في الإدراك النفسي والفكري للرجل في ذلك الوقت، من اجل مجابهة المجهول ذات الصلة، كاكتشاف استدارة الأرض. من هذه اللحظة، ظهرت السياسة وأغلقت الصين طرقها بحيث لم يتم استيراد الحرير، ولكن تم اكتشاف طرق أخرى من طرق آسيا من قبل المحيط الأطلسي، وكذلك من قبل الجنوب متجاوزا أفريقيا. لذلك, ان العولمة والبشر هما جزء من التطورات العالمية، والتقدم في التكنولوجيات المتقدمة هو عبارة عن شفرات ذو حدين.
إن العولمة لا تسمح فقط بالتقدم وتغيير الموارد فحسب، بل أيضا بتحسين مستوى الوعي البشري، والتفكير، والإدراك للأحداث القادمة. انه إطار مرجعي عالمي للنظم المعممة، للاستثمارات الثنائية، واستراتيجيات حل المشاكل من أجل تنمية بشرية أفضل.


