الخليل في خطر
عمر حلمي الغول
يوم الجمعة الماضي الذي توافق مع اول ايام عيد الأضحى المبارك أصدرت وزارة الحرب الإسرائيلية قرارا غير مسبوق في خطورته، وهو الأول من نوعه منذ الإحتلال الإسرائيلي لإراضي دولة فلسطين في الخامس من حزيران /يونيو 1967 منحت فيه قطعان المستعمرين في البلدة القديمة من مدينة الخليل حق تشكيل مجلس إدارة شؤونهم، أي إقامة “مجلس بلدي” مواز لبلدية الخليل، مبدئيا يسيطر المجلس المذكور على قلب خليل الرحمن، التي تضم حوالي اربعين الفا من السكان الفلسطينيين إلى جانب الأربعمائة مستعمر إسرائيلي. وكمدخل للسيطرة على المدينة الأكبر مساحة وسكانا في الضفة الفلسطينية. لاسيما وان القرار الإستعماري الجديد هدف إلى الآتي: اولا الغاء وأسقاط “برتوكول الخليل لإعادة الإنتشار” الموقع بين منظمة التحرير ودولة الإحترل الإسرائيلية في يناير / كانون ثاني 1997؛ ثانيا تحويل مدينة الخليل المعرفة ب( إتش2 ) إلى منطقة (سي) والعمل على تهويدها وضمها إسوة بمدينة القدس العاصمة الفلسطينية المحتلة؛ ثالثا تحويل الحرم الإبراهيمي الشريف كله إلى كنيس يهودي، وإلغاء التقسيم المكاني فيه كليا لصالح المستعمرين الصهاينة؛ رابعا إسقاط خيار حل الدولتين على حدود الرابع من حزيران/يونيو 1967 كليا، لاسيما وان القرار الجديد يتكامل مع سلسلة إنتهاكات إستعمارية تطال الضفة الفلسطينية من شمالها لجنوبها ومن غربها لشرقها ..
إذا جاء القرار الإستعماري بشأن الخليل ليضع مداميك مرحلة نوعية في السيطرة الإسرائيلية الكاملة على المدينة الفلسطينية، وليس تقسيمها فقط، كما يعتقد البعض. ولا تتناقض هذه الخطوة مع برتوكول “واي ريفر” فقط، بل مع القانون الدولي، وقرار اليونيسكو الصادر هذا العام بشأن البلدة القديمة، الذي وضعها على قائمة التراث الإنساني العالمي، ومع مرجعيات عملية السلام والقرارات الدولية ذات الصلة بالتسوية السياسية وآخرها قرار مجلس الأمن 2334 الصادر نهاية العام الماضي. وكأن الحكومة الإسرائيلية بجريمتها الجديدة تستبق الأمور وتضع القيادة الفلسطينية والعالم برمته أمام الأمر الواقع، وتحدد ملامح مشروعها الإستعماري بالسيطرة الكلية على فلسطين التاريخية، لتستكمل مشروعها الإستراتيجي في مرحلته الثانية بإقامة الدولة الإسرائيلية الكاملة عليها. والأنكى ان إنتهاكها الخطير يأتي بعد زيارة الوفد الأميركي بقيادة كوشنر مؤخرا، وزيارة الأمين العام للامم المتحدة، وعشية إنعقاد الدورة ال72 للامم المتحدة، وكأنها تقول للعالم كله بشكل بالغ الدلالة: لا للسلام، ولا لخيار حل الدولتين على حدود الرابع من حزيران عام 1967، ونعم للإستيطان الإستعماري.
وهنا تستدعي الضرورة من القيادة الفلسطينية العمل فورا على التالي: اولا المباشرة بحملة سياسية وديبلوماسية عربية وإسلامية ودولية مكثفة؛ ثانيا الإستفادة من إنعقاد مجلس وزراء خارجية الدول العربية في التاسع من الشهر الجاري لإثارة المسألة، ومطالبة الدول الشقيقة بإتخاذ ما يلزم من قرارات حاسمة، تكون على مستوى المسؤولية القومية تجاه قضية العرب المركزية؛ ثالثا تصعيد الكفاح الشعبي بشكل واسع وعميق لإيصال رسالة للعالم كله، كما حصل في هبة القدس العاصمة في النصف الأخير من شهر يوليو/ تموز الماضي؛ رابعا اللجوء فعلا ودون إنتظار لمحكمة العدل الدولية ومحكمة الجنايات الدولية لملاحقة قيادة الإئتلاف اليميني المتطرف الحاكم؛ خامسا دعوة مجلس البلديات العالمي للإنعقاد وإثارة القرار الإستعماري أمامه؛ خامسا تصعيد حملات المقاطعة رسميا وشعبيا وعلى كل الصعد لإسرائيل الخارجة على القانون، وعدم الإستجابة للدعوات الأميركية وغيرها، التي تطالب القيادة بالإنتظار لحين بلورة الصفقة التاريخية، لإن تصعيد النضال وملاحقة حكومة المستعمرين الإسرائيلية لا يتناقض مع اي خطوات سياسية تتعلق بالسلام. لاسيما وان الحقوق الوطنية تستباح على مرآى ومسمع العالم كله، وإسرائيل لم تتوقف لحظة عن إرتكاب وإنتهاك مصالح الشعب الفلسطيني العليا، فلماذا إذا مطلوب من القيادة الفلسطينية الإنتظار في الوقت الذي لا تنتظر فيه إسرائيل تلك الصفقة، غير معروفة التفاصيل والملامح؟ سادسا المبادرة إلى سحب الإعتراف بإسرائيل من قبل منظمة التحرير للتلويح بأوراق القوة الفلسطينية، وخلط الأوراق كلها، ليعلم العالم وفي مقدمته الإدارة الأميركية أن قيادة منظمة التحرير قادرة على الدفاع عن مشروعها الوطني ومصالح شعبها.


